کد مطلب:370266 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:642

الفصل الثانی معاصی ومآثم












الصفحة 30












الصفحة 31


بدایة:


وحین نرى أن «الخوارج» حتى على مستوى زعاماتهم، وأمرائهم، وقادتهم یقترفون كبائر الذنوب ویرتكبون المآثم، ویسعون وراء الشهوات، فإن ذلك یكون دلیلاً ملموساً على ضعف حالة التقوى عندهم، أو انعدامها من الأساس.


تماماً كما یكون سعیهم للحكم، وممالأتهم للحكام، وممارساتهم اللاإنسانیة فی هذا الاتجاه دلیلاً على ذلك أیضاً..


هذا عدا عن إصرارهم على الباطل بعد ظهور بطلانه لهم، وإلزامهم الحجة الدامغة فیه. فإنه هو الآخر یدل دلالة ظاهرة على أنه لا حقیقة لما یدعونه من عبادة وزهادة، وصلة بالله سبحانه بل هی كما أكدته النصوص النبویة الشریفة مجرد أمور شكلیة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، حیث إنهم كانوا قد مرقوا من الدین مروق السهم من الرمیة.


وسنذكر فیما یلی أمثلة متنوعة تشیر إلى طبیعة صلتهم بالله سبحانه، فإلى ما یلی من مطالب.


دعارة «الخوارج»:


قد تقدم: أن عبیدة بن هلال وهو أحد زعمائهم الكبار كان من












الصفحة 32


أعرف الناس بعواهر البلاد، وبمیزاتهن.


وسیأتی حین الحدیث عن تركیبة الخوارج: أنهم كانوا ما بین حداد، وصباغ، وداعر..


واللافت: أن أكابرهم وقادتهم كانوا لا یتورعون عن ارتكاب أعظم الفواحش، حتى الزنى بالمحصنات..


فقد ورد: أن عبیدة بن هلال الیشكری اتهم بامرأة حداد كان یدخل علیها بلا إذن.


فدبّر هو وقطری بن الفجاءة الحیلة للخلاص من الورطة ونجحا فی ذلك(1).


فما معنى ان یدخل زعیمهم على امرأة محصنة بلا إذن.. حتى یتهم بالدعارة. فأین ورعه وتقواه؟ وأین هی عبادته وزهادته..


وزعیمهم الآخر لا یقیم الحد على مرتكب هذا الذنب العظیم.. بل هو یشاركه فی الجریمة حین یدبر له الحیلة لتخلیصه من المأزق..


والعامة الذین وقفوا على هذا الأمر، لم یقطعوا علاقتهم به، ولا أضر ما عرفوه عنه فی ولائهم واستمرارهم فی الانقیاد له. ثم هم بعد هذا، وذاك، وذلك یدَّعون لأنفسهم التقوى، والعبادة. والصلاح، فاعجب بعد هذا ما بدالك!! فما عشت أراك الدهر عجبا.


الدعارة بمرسوم. والغیرة معدومة:


یقول ابن بطوطة: «ونساؤهم یكثرون الفساد، ولا غیرة عندهم، ولا إنكار لذلك»(2).


____________



(1) راجع: الكامل فی الأدب ج3 ص391 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج4 ص203.


(2) رحلة ابن بطوطة ج1 ص172، والنص والاجتهاد ص99 عنه.













الصفحة 33


وقال: «كنت یوماً عند هذا السلطان أبی محمد بن نبهان، فأتته امرأة صغیرة السن، حسنة الصورة، بادیة الوجه؛ فوقفت بین یدیه وقالت له: یا ابا محمد، طغى الشیطان فی رأسی.


فقال لها: إذهبی واطردی الشیطان.


فقالت له: لا أستطیع وأنا فی جوارك یا أبا محمد.


فقال لها: إذهبی، فافعلی ما شئت.


فذكر لی ـ لما انصرفت عنه ـ أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون فی جوار السلطان، وتذهب للفساد، ولا یقدر أبوها، ولا ذو قرابتها أن یغیروا علیها، وإن قتلوها قتلوا بها، لأنها فی جوار السلطان»(1).


ترك الصلاة:


وقد أخبر النبی (صلى الله علیه وآله) عنهم ـ وهو الصادق المصدق ـ أنهم «یتركون الصلاة من وراء ظهورهم. وجعل یدیه وراء ظهره»(2).


«الخوارج» فساق مراق:


وجاء فی خطبة لأمیر المؤمنین قبل خروجه إلى النهروان: «وبعد.. فقد علمتم ما كان من هؤلاء القوم من الإقدام والجرأة على سفك الدماء وهم قوم فساق، مراق، عماة، جفاة، یریدون فراقی وشقاقی، وفیهم من قد عضه بالأمس السلاح، ووجد ألم الجراح الخ..»(3).


____________



(1) رحلة ابن بطوطة ص173 والنص والاجتهاد ص99 عنه.


(2) كنز العمال ج11 ص301 عن ابن جریر.


(3) الفتوح لابن أعثم ج4 ص100.



 













الصفحة 34


لا تقوى لمتعنت:


ومن الواضح: أن التعنت والإصرار على الباطل یشهد على عدم التقوى، وعدم مراقبة الله سبحانه، وقد ذكر أمیر المؤمنین (علیه السلام) ـ وهو أعرف الناس بهم ـ أن أحد زعمائهم وهو ابن الكواء ـ قد أراد التعنت حین صار یسأله عن بعض المسائل(1).


وهذا العناد واللجاج قد تجلى بصورة واضحة فی إصرارهم على قتال أهل الإیمان، حتى بعد أن أقیمت الحجة علیهم، ولم یعد لهم أی عذر.. فكان مصیرهم القتل والبوار. ولا تزال هذه الخصوصیة البغیضة تتجلى فیهم على مر الأیام.


شرب الخمر:


والغریب فی الأمر: أنهم یذكرون: أن ابن ملجم لعنه الله تعالى قد شرب النبیذ لیلة قتله علیاً (علیه السلام)(2) وابن ملجم هو من رموز «الخوارج» وهو الذی مدحه الشاعر الخارجی عمران بن حطان بقوله:


 









یا ضربة من تقی ما أراد بها إلا لیبلغ من ذی العرش رضوانا



وتقدم أن أحد كبار زعمائهم، وهو عبیدة بن هلال كان من أعرف الناس بالخمر، وحالاتها.. وظاهر الحدیث انه یجیب سائله عن خبرة.


لبس الحریر:


ثم إنهم یذكرون أیضاً أن قطاماً الخارجیة قد شدت الحریر على


____________



(1) تهذیب تاریخ دمشق ج7 ص302 وراجع: فرائد السمطین ج1 ص394.


(2) الفتوح لابن أعثم ج4 ص139.













الصفحة 35


صدر ابن ملجم، وعلى صدور الذین شاركوه فی قتل وصی رسول الله (صلى الله علیه وآله)(1). ولا ریب فی حرمة لبس الحریر على الرجال فی فقه الشریعة الإسلامیة الغرّاء..


العمل بالتقیة:


والمعروف من مذهب «الخوارج» لزوم الجهر بالحق، ورفض التقیة، لكننا نجد أحد نساكهم وهو خالد بن عباد یعمل بالتقیة(2).


وسیأتی أن عمران بن حطان الخارجی كان یعمل بالتقیة أیضاً.


ونصح أبو بلال مرداس امرأة من «الخوارج» یقال لها البلجاء بأن تعمل بالتقیة، فقال: «إن الله قد وسع على المؤمنین فی التقیة، فاستتری»(3).


الكذب على رسول الله (صلى الله علیه وآله):


ونلاحظ أیضاً: أنهم كانوا یستخدمون الوضع والتزویر من أجل تأیید مواقفهم، واتجاهاتهم، فقد رووا: أن شیخاً منهم ـ بعد أن تاب ورجع عن مقالتهم ـ یقول محذراً: «.. إن هذه الأحادیث دین؛ فانظروا عمن تأخذون دینكم؛ فإنا كنا إذا هوینا أمراً صیرناه حدیثاً..»(4).


____________



(1) الإرشاد للمفید ص17 ومصادر أخرى ستأتی.


(2) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص87.


(3) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص82.


(4) لسان المیزان ج1 ص10و11 والكفایة للخطیب ص123 وآفة أصحاب الحدیث ص71و72 واللآلی المصنوعة ج2 ص468 وبحوث فی تاریخ السنة المشرفة ص29 عن الأولین، وعن: السنة ومكانتها فی التشریع، للسباعی ص97 وعن: الموضوعات لابن الجوزی ص38 راجع: العتب الجمیل ص122.













الصفحة 36


وفی نص آخر: «انظروا هذا الحدیث عمن تأخذونه؛ فإنا كنا إذا تراءینا رأیاً جعلنا له حدیثاً»(1).


وقال الأعمش: «جالست إیاس بن معاویة؛ فحدثنی بحدیث.


فقلت: من یذكر هذا؟!


فضرب لی رجلاً من الحروریة.


فقلت: إلی تضرب هذا المثل؟ ترید أن أكنس الطریق بثوبی؛ فلا أدع بعرة، ولا خنفساء إلا حملتها؟!»(2).


وقال الجوزجانی: عن «الخوارج»، الذین تحركوا بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله): «نبذ الناس حدیثهم اتهاماً لهم»(3).


والغریب فی الأمر هنا: أن البعض یحاول القیام بعملیة تزویر أكثر شناعة وقباحة من هذا. وذلك عندما ادعى:


أن ذلك إنما هو فی الأحادیث المراسیل، والمقاطیع من الروایات، فقد قال: «هذه والله قاصمة الظهر للمحتجین بالمراسیل، إذ بدعة «الخوارج» كانت فی صدر الإسلام، والصحابة متوافرون، ثم فی عصر التابعین فمن بعدهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمراً جعلوه حدیثاً، وأشاعوه؛ فربما سمعه الرجل السنی؛ فحدث به، ولم یذكر من حدث به، تحسیناً للظن به، فیحمله عنه غیره، ویجیء الذی یحتج بالمقاطیع


____________



(1) اللآلی المصنوعة ج2 ص468. والغریب فی الأمر: أن نفس هذا النص مروی عن حماد بن سلمة عن شیخ من الرافضة فراجع: لسان المیزان ج1 ص11.


(2) بحوث فی تاریخ السنة المشرفة ص29 عن كتاب: المحدث الفاصل، للرامهرمزی ج1 ص12.


(3) أحوال الرجال ص34.













الصفحة 37


فیحتج به، ویكون أصله ما ذكرت الخ»(1).


ولا ندری ما وجه حمله لذلك على المقاطیع والمراسیل؟! إلا أنه یرید أن یصوب روایة أصحاب الصحاح عن «الخوارج»، حتى لیروی البخاری ـ وهو أصح كتاب بعد القرآن عندهم ـ عن عمران بن حطان(2)، مادح عبد الرحمن بن ملجم، قاتل سید الوصیین علی أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) حیث یقول:









یا ضربة من تقی ما أراد بها إلا لیبلغ من ذی العرش رضواناً..

ولكنه یهاجم الروایة عن الرافضة بصورة عجیبة، حتى لو كان الراوی صدوقاً. ثم یذكر أقاویل علمائه بالمنع من قبول روایة الرافضة مطلقاً، فراجع كلامه(3).


وبعدما تقدم فإننا نعرف عدم صحة قول أبی داود: «لیس فی أهل الأهواء أصح حدیثاً من الخوارج»(4).


ممارسات لا إنسانیة:


وقد أرسل قطری بن فجاءة «الخوارج» الذین جاؤوا من كرمان وفارس، مع صالح بن مخراق وسعد الطلائع لحرب عبد العزیز، أخی المهلب، فهزموه، «وسبوا النساء یومئذٍ، وأخذوا أسرى لا تحصى، فقذفوهم فی غار، بعد أن شدوهم وثاقاً، ثم سدوا علیهم بابه، حتى ماتوا فیه»(5).


____________



(1) لسان المیزان ج1 ص11.


(2) راجع: العتب الجمیل.


(3) راجع: لسان المیزان ج1 ص10 وراجع: میزان الاعتدال ج1 ص27/28.


(4) میزان الاعتدال، ج2 ص236 والعتب الجمیل ص121 عن مقدمة فتح الباری.


(5) الكامل فی الأدب ج3 ص355 وشرح النهج للمعتزلی ج4 ص174 الخوارج فی


=>













الصفحة 38


وقال المسعودی عن صاحب الزنج: «.. ظهر من فعله، ما دل على تصدیق ما رمی به، أنه كان یرى رأی الأزارقة من الخوارج، لأن أفعاله فی قتل النساء، والأطفال، وغیرهم من الشیخ الفانی وغیره ممن لا یستحق القتل یشهد بذلك علیه»(1).


ویكفی أن نذكر: أن حرب النهروان إنما نشأت عن إفسادهم فی الأرض، وقتلهم عبد الله بن خباب، وبقرهم بطن زوجته التی كانت حاملاً، وقتلوا نسوةً ورجالاً آخرین كما تقدم.


وقد قال عمر بن عبد العزیز لشوذب الخارجی: «.. فأخبرونی عن عبد الله بن وهب الراسبی، حین خرج من البصرة، هو وأصحابه، یریدون أصحابكم فی الكوفة؛ فمروا بعبد الله بن خباب، فقتلوه، وبقروا بطن جاریته، ثم عدوا على قوم من بنی قطیعة، فقتلوا الرجال، وأخذوا الأموال، وغلوا الأطفال فی المراجل. وتأولوا قول الله: (إنك إن تذرهم یضلوا عبادك، ولا یلدوا إلا فاجراً كفاراً)(2) ثم قدموا على أصحابهم من أهل الكوفة الخ.»(3).


ونستطیع أن نعرف: مدى قسوتهم، وإمعانهم فی ارتكاب الجرائم، التی یندى لها جبین كل إنسان ألماً وخجلاً، مما سجله التاریخ لنا من مذاهب وآراء اعتقادیة لهم، حیث إنها غریبة عن الفطرة، وعن العقل، وعن الإنسانیة، وهی تعبیر صادق عن عمیق حقدهم، وبالغ همجیتهم


____________



<=


العصر الأموی ص54 عن الكامل.


(1) مروج الذهب ج4 ص108. وبهج الصباغة ج7 ص166 عنه.


(2) سورة نوح / 27.


(3) جامع بیان العلم ج2 ص129 ومروج الذهب ج3 ص191 وبهج الصباغة ج7 ص113 عنه وعن العقد الفرید.













الصفحة 39


ووحشیتهم، وبعدهم كل البعد عن أی من المعاییر الإنسانیة، والفضائل الأخلاقیة..


الحقد الدفین هو الدافع:


ولم تكن مواقفهم وممارساتهم القاسیة تلك بدافع دینی، یوجبه الالتزام بتعالیم شرعیة بنظرهم.. وإلا لما كان ثمة مبرر لغلی الأطفال فی المراجل، ولا لفرارهم فی الحروب، والتماسهم الأمان من هذا، وذاك، ولا للتخلی عن كل شیء فی قبال منصب یتاح لهم، ولا لغیر ذلك مما ذكرناه فی هذا الكتاب، فإن التدین ـ لو كان ـ فلابد أن یترك أثره فی جمیع تلك الحالات والظروف، والمواقف..


وإنما كانت هذه الممارسات القاسیة واللاإنسانیة ضد خصومهم بدافع التنفیس عن حقد دفین، یعتلج فی صدورهم، وتشب ناره فی أفئدتهم.


وقد عبر الإمام الصادق (علیه السلام) عن هذا المعنى بوضوح تام فی جوابه لمن رأى: أن كونهم شكاكاً لا یلائم دعوتهم خصومهم إلى البراز.


فأجابه (صلوات الله وسلامه علیه) بقوله: «ذلك مما یجدون فی أنفسهم»(1).


كما أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد وصفهم فی ضمن كلام له بأنهم عصابة «طمح بها النزق»(2).


____________



(1) تهذیب الأحكام للطوسی ج6 ص145 وبهج الصباغة ج7 ص168 عنه والوسائل ج11 ص60.


(2) تاریخ الأمم والملوك ج4 ص62.













الصفحة 40


وأما أسباب الحقد، فلا تنحصر فی أمر المال، بل هو حقد الفاجر على التقی، والجاهل اللئیم على العالم الكریم والحلیم الجلیل، والخبیث على الطیب، والمجرم على البریء وما إلى ذلك.


صعصعة یصف أحد زعمائهم:


ویكفی أن نذكر: أن صعصعة بن صوحان یصف أحد زعمائهم وهو ـ المنذر بن الجارود ـ بقوله: «إنه نظار فی عطفیه، تفال فی شراكیه، تعجبه حمرة بردیه».


وقد قال صعصعة ذلك لأمیر المؤمنین (علیه السلام)(1).


فمن تكون صفاته هی هذه كیف یمكن أن یعطى أوسمة التقوى والورع، والعبادة؟ هذا.


عمال لیزید:


وقد بلغ بهم حب الدنیا حداً جعل المنذر بن الجارود یتولى الهند من قبل عبیدالله بن زیاد، وذلك فی إمرة یزید، فمات هناك سنة 61هـ.


تركهم لحدود الله:


وقد قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) حینما جاؤوه برأس عبد الله بن وهب الراسبی: «قد كان أخو راسب حافظاً لكتاب الله، تاركاً لحدود الله»(2).


____________



(1) البیان والتبیین ج3 ص112 وج1 ص99 والحیوان ج5 ص588.


(2) مروج الذهب ج3 ص47.













الصفحة 41


التطبیق الانتقائی للأحكام والتساهل فیها:


وقد اخذ اتباع شبیب علیه أموراً: منها: أنه كان یستثنی قومه من أن یطبق علیهم ما یأمرهم به دین الخوارج، وأموراً أخرى(1).


ولاموه كذلك على أنه كان یقبل الاعتراف تقیّةً، وعلى أنه كان یطلق الأسرى بمجرد قولهم: لا حكم إلا لله، أو یردد علیهم هذا القول لیخلصهم(2).


لا یعاقب شارب الخمر لنكایته فی العدو:


كما أنه لم یعاقب رجلاً فی جیشه كان یشرب الخمر، بحجة أنه كان شدید النكایة على العدو(3).


محاباة وتساهل والكیل بمكیالین:


ومما یشیر إلى تساهلهم مع بعضهم البعض: أن قطری بن الفجاءة ـ كما یقول البعض ـ كان:


«لا یؤمن بالقعود عن الشرایة والجهاد، وإذا ما تخلف أحد أتباعه عن هذا الواجب المقدس، سرعان ما یلاحقه، ویدفعه إلى ذلك دفعاً، فحینما قعد أبو خالد القنانی بعث إلیه بقصیدة یقرعه فیها، ویحثه على النفیر، ویؤكد له: أن لا عذر لقاعد، ولا هدایة له.


كما بعث قصیدة أخرى لسمیرة بن الجعد، یعاتبه فیها على ركونه


____________



(1) راجع: الخوارج والشیعة ص98.


(2) الخوارج والشیعة ص98 وأشار إلى تاریخ الأمم والملوك ج2 ص967.


(3) الخوارج والشیعة ص73 وراجع: العبر ودیوان المبتدأ والخبر ج3 ص147.













الصفحة 42


لحیاة الاستقرار، وقبوله أن یصبح سمیراً للحجاج، فی حین أن رسالة الخارجی هی أن یتمنطق بالسلاح، ویجالد الفرسان، ویصبر على شدائد الأمور، بعد أن یذكره بالسلف الصالح، ویلفت نظره إلى مصیره المحتوم، وأنه سیبعث إلى حساب عسیر … إلى أن قال: فحمل سلاحه ولحق بقطری، دون أن ینذر الحجاج بذلك الخ»(1).


وقال فی موضع آخر: «.. ونجد: أن قطری بن الفجاءة، یعاتب سمیرة بن الجعد، الذی صار ندیماً للحجاج، وغرته مباهج القصر ـ یعاتبه ـ عتاباً لطیفاً، لا قسوة فیه، ولا یكفره، كما یفعل بغیره، بل یصرح بعدم كفره، ولكنه یكون قاسیاً جداً إذا هجا غیر الخوارج، ویكفرهم»(2).


ومعنى ذلك هو أن القضیة بالنسبة إلیهم لیست قضیة دین، والتزام بأحكام الشرع بقدر ما هی هوى النفس، وطموحات یریدون تحقیق ما أمكنهم منها..


ومهما یكن من أمر: فإن كونهم متكلِّفین فی دینهم، یظهرون منه خلاف ما یبطنون. وكون دینهم تبعاً لأهوائهم، هو الظاهر من مجمل مواقفهم وممارساتهم. ویبدو أن ذلك كان واضحاً ومعروفاً منذ أوائل


____________



(1) الخوارج فی العصر الأموی ص261/262.


(2) المصدر السابق ص279/280 وراجع: مروج الذهب ج3 ص136/137.













الصفحة 43


ظهورهم، كما صرح به أمیر المؤمنین (صلوات الله وسلامه علیه) فی أكثر من مورد ومناسبة، حسبما اتضح. كما أن الفزر بن مهزم العبدى یقول:


 













وشدوا وثاقی ثم الجوا خصومتی إلى قطری ذی الجبین المغلق
وحاججتهم فی دینهم وحججتهم وما دینهم غیر الهوى والتخلق(1)



____________



(1) الكامل فی الأدب ـ ج3 ص337 وراجع: شرح النهج للمعتزلی ج4 ص161.













الصفحة 44












الصفحة 45